مجتمع «الهشّك بشّك» المدني

انتفاضة كبيرة هبَّت على العديد من جمعيات النفع العام، بعدما خرجت التصورات الحكومية بشأن تعديلات واسعة حول القانون المنظم لها، التي تتمحور بشكل عام ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة، نحو تحجيمها والحد من حرياتها ووضع المزيد من القيود عليها.

وبالتأكيد هذه الاتجاهات مرفوضة وغير مقبولة، لكن في المقابل، تفتح ملف مؤسسات المجتمع المدني على مصراعيه، للبحث في أغواره ودهاليزه، فالعلة التي أصابته، وما تبعها من ضعف ووهن، لا علاقة لها بالقوانين، بقدر ما يكمن في المفهوم والإطار العامين للمجتمع المدني ومدى احتياجنا له.

فمع التحركات الأخيرة، اكتشفنا وجود ما يقارب 117 جمعية نفع عام مشهرة مختلفة الانتماءات والأنشطة، وهي من المفترض أنها تدافع عن أفرادها وحقوقهم، وهذا لا يعني التخلي عن القضايا الأساسية التي يمر بها المجتمع الكويتي، لأن جميع المنتسبين لها، بغض النظر عن نوعية هذا المؤسسات، هم أولاً وأخيراً منتمون لمجتمع واحد، فهمومهم العامة مشتركة.

وهذا الرقم الكبير نسبياً يطرح التساؤل التالي: أين هذه الجمعيات سابقاً؟ ومَن الذي يقوم عليها؟ وما أنشطتها؟ وما مواقفها؟ وماذا قدمت؟

للأسف، لقد تحوَّلت غالبية جمعيات النفع العام إلى واجهات اجتماعية أقرب إلى الدواوين المسائية و«شاي الضحى»، و«برستيج» شخصي يوفر له مكانة «طبقية» معينة.

صحيح أن لهذه الجمعيات أهمية، وخصوصا في المجال الاجتماعي، لكن هذا السلوك قتل روح الإبداع في العمل والتحرك، وإبراز القضايا المطلبية، ما أفقده الحيوية اللازمة والمساندة الشعبية، ومن يلحظ التحركات الأخيرة لهذه المؤسسات (76 من أصل 117) في تصديها لمقترحات الحكومة يجد هذا الأمر، فالحضور والمتابعة اقتصرا فقط على «النخبة»، وأقول النخبة، لأن مصالحها الخاصة ستتضرر مع الإجراءات المُراد تطبيقها، وليس مصالح العامة من الشعب، فهي لم تتحرك أو تتبنى موقفاً حقيقياً مسانداً لما يعانيه الغالبية العظمى، بل اكتفت بالتفرج.

هذا الأمر يدعونا للقول إن النسق العام للمجتمع المدني الكويتي خاضع بشكل مباشر للمفاهيم «الليبرالية الجديدة»، التي تريد مجتمعاً مدنياً مصلحياً يخدم فئة محددة، وأي محاولة من السلطة تجاهها مرفوضة، ليس من باب الحريات العامة (وهو الغلاف للتحركات الأخيرة)، لكن من باب «المصلحة».

وأخيراً، لسنا هنا في موقع المدافع عن المقترحات الحكومية التي أطلت بها وزيرة الشؤون هند الصبيح، بل هي مرفوضة تماماً وغير مقبولة، لما احتوته من مثالب دستورية، تناولها المحامي حسين العبدالله في دراسته القيمة، التي نشرت في 15 مارس بالزميلة «الجريدة».

فنحن مع مؤسسات المجتمع المدني في الإطار الصحيح، الذي يكمن في تبني قضايا المجتمع الكويتي وإبرازها، في محاولة لخلق رأي شعبي كبير تجاهها، وليس الانغلاق والبيات الطويل، من ثم الاستفاقة على خطر يدق بابهم.

جريدة الطليعة الكويتية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.