
جانب من اجتماع للقوى السياسية الكويتية
«لم يكن في الإمكان أفضل مما كان».. عبارة أخذت تتداول لدى بعض القوى والتنظيمات السياسية، على استحياء شديد، وبالذات بعد حادثة تفجير مسجد الإمام الصادق، أخيرا، الذي دانته غالبية هذه القوى بصورة مباشرة وفورية، ومن ثم صدور بيان مشترك لها، في الوقت الذي كان يتوقع فيه الجميع أن تلتئم هذه القوى من جديد بعد محاولات سابقة.
الترسيمة السياسية الجميلة التي يتمناها الجميع، تتمثل باستمرار اللقاءات التي تجمع القوى والتنظيمات السياسية بصورة دورية ومستمرة، بهدف مناقشة تطورات الأوضاع على الساحة المحلية، وسبل معالجتها، والحد من انعكاساتها السلبية على المجتمع، خصوصا أنها تمثل النخبة السياسية ذات الإطار الشعبي، والبعض منها يمتلك رؤى وبرامج، وجزء منها لديها أفكار وأيديولوجيات صارمة لا يبتعد عن منهجيتها.
حاجة ملحة
ولكن، على الرغم من تعدد اللقاءات والحوارات في بينها، فإنها دائما ما تكون ردود أفعال لحدث ما، كالذي حدث سابقا، عندما دعا المنبر الديمقراطي الكويتي لمواجهة قضية الاتفاقية الأمنية.. وأخيرا، دعوة التحالف الوطني الديمقراطي لمواجهة أعمال الإرهاب، بعد أحداث مسجد الصادق، وهو ما يشير إلى أن هذه اللقاءات «موسمية»، من دون القدرة على تطويرها، لتصبح عنصر ضغط ينطلق من قاعدة شعبية لتصحيح مسار الوضع العام المتردي.
ومن هنا، تصبح الحاجة ملحة لمناقشة هذه المسألة بشكلها العام، قبل الدخول في تفاصيلها الدقيقة والصغيرة، ولعل البداية تكمن في فرز وتقسيم هذه القوى والتنظيمات إلى قسمين؛ الأول منها من شارك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كالتحالف الإسلامي الوطني والعدالة والسلام، والتحالف الوطني الديمقراطي، واستطاعت إيصال مَن يمثلها لمجلس «الصوت الواحد»، الذي قاطعه القسم الآخر من القوى السياسية، كالمنبر الديمقراطي الكويتي والتيار التقدمي الكويتي الحركة الدستورية الإسلامية وحركة العمل الشعبي وآخرون.
حسابات خاصة
هذه الوضعية الحالية لتلك التنظيمات، وطبيعة موقفها من الانتخابات، أفرزت واقعا، وإن كان موجودا في وقت سابق، لكن محدداته مختلفة، يتمثل بأن مسألة التعاون المشترك بينها تدخل ضمن حسابات خاصة، وبعض القوى تشترط بوضوح تام مشاركة أطراف أخرى في أي نشاط مشترك، بسبب الموقف السياسي الرافض للتعاون مع قوى سياسية شاركت في الانتخابات، والعكس كذلك صحيح، كما يوجه البعض اتهاماته لأطراف أخرى، بأنها تسير وفق أجندات معينة.
هذا الفهم الخاطئ في العلاقات المشتركة بين القوى السياسية أدَّى إلى تجميد العديد من الحوارات، وأخَّر الكثير من الطموحات، بل أوجد هذا الفهم نوعا من القطيعة المستمرة، و»عنادا» سياسيا كبيرا اختلقه البعض، من دون أن يدرك أن في ذلك عرقلة لأي جهود تستهدف الخروج من المأزق، ما سمح بحدوث حالة من الفراغ السياسي في الشارع الكويتي، الذي هو الآخر بات مشلولا عن أي حراك حقيقي لإصلاح الوضع.
تساؤل مشروع
لقد أفضت العلاقات المتردية بين القوى والتنظيمات السياسية إلى تكريس صيغة العمل الفردي البرلماني على الجماعي، في الوقت الذي أخذ مجلس الأمة باقتراح وإصدار العديد من التشريعات والقوانين، من دون أن تلقى مواجهة فعلية من هذه القوى، التي دائما ما تكتفي بإصدار بيانات الاستنكار، من دون القدرة على خلق حالة مجتمعية رافضة، وحتى الأنشطة أو الفعاليات المشتركة، فإنها لا تحظى بالمشاركة الشعبية الواسعة، فالحضور الخجول فيها يقتصر بشكل رئيس على أعضاء هذه التنظيمات.
والتساؤل الذي يطرح نفسه: ما السبيل للخروج من ذلك؟ ومَن القادر على أخذ زمام المبادرة، في الوقت الذي تُقاس فيه حسابات الربح والخسارة؟
في أوقات كثيرة، كانت هناك بعض المحاولات من بعض الشخصيات التي التقت بدورها بعض القوى السياسية، على شكل لقاءات فردية، بهدف محاولة صياغة مشروع أو برنامج وطني، إلا أن ذلك لم ينجح في إيجاد أرضية متوافقة عليه، ويرجع ذلك إلى طبيعة تلك «الشخصيات» والملاحظات الكثيرة التي قدمتها بعض القوى عليها، وهنا كان يفترض على القوى والتنظيمات السياسية، أن تكون صاحبة القيادة والمبادرة، من خلال «ميثاق» للتعاون، في ما بينها، تحدد فيه الأسس السليمة وطبيعة القضايا المشتركة، وأهمية الالتزام بها والدفاع عنها، إضافة إلى وسائل العمل وطرق التواصل، ومن ثم تأتي مرحلة لاحقة تتمثل في البرنامج السياسي العام الذي يحمل الحدود الدنيا من الاتفاق في ما بينها، على أن يتم التبشير به وفق القنوات المتاحة والدفع به لتحقيق الإجماع الشعبي، وكسب الشارع الكويتي الذي لا يزال يشعر بصيص الأمل، من دون أن يفقده نهائيا.
زمام مبادرة
أما المعضلة الكبرى، فتتمثل بمن يملك زمام المبادرة، في حين أن «البعض» يرى أن هذا العمل يجب أن يصبُّ في صالح المكاسب التي من الممكن أن يتغنى بها، ومن هنا، فإن القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية تبقى الوحيدة القادرة على الخروج من دوامة الحسابات الذاتية، لما تمتلكه من أفق يضم الأطياف المجتمعية ومكوناتها، بعيدا عن الاستقطابات التي يفضل «البعض» العمل من خلالها.
لذا نقول إنه حان الوقت لمراجعات نقدية، وإعادة قراءة المشهد السياسي في ضوء تطوراته، ومدى القدرة على التعامل.
جريدة الطليعة الكويتية