أحمد الربعي.. الديمقراطية ليست هبة.. والإصلاح يبدأ بقرار

أحمد الربعي

أحمد الربعي

في خضم تصاعد وتيرة الأحداث السياسية والمجتمعية التي تمر بها الكويت منذ سنوات، وحتى الوقت الراهن، يبرز أمامك وميض الذكريات الذي يتدفق في مخيلتك، ويتجدد دائماً بتلقائية، والحسرات والألم والتنهدات تختلط بدورها مع كل الأفكار التي تأتيك هنا وهناك، تلوح في الأفق بين ناظريك صورة الراحل د.أحمد الربعي (1949 – 2008)، ويسترق سمعك من حيث لا تدري همساته وأحاديثه، ويبحث عقلك وفكرك عن مقال سطره قلمه، وتبحث عن روح معطاءة للتفاؤل، فلا تجد أمامك غير أحمد الربعي.

لمحة استهلالية

لا نريد أن نؤرخ لتاريخ «أبوقتيبة» ونضالاته، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، وإن كان هذا الأمر يُعد مطلباً ضرورياً وملحاً لحفظ جزء من تاريخ وفكر هذا الرجل، إلا أننا في أمسّ الحاجة لإعادة قراءة بعض من أفكاره ورؤاه، في وقت اختلطت فيه كل المفاهيم، فلم يعد الكثيرون يفرقون بين ما هو صحيح وما هو باطل. فقد برز «أبوقتيبة» منذ أن كان طالباً عندما التحق بركاب ثورة ظفار في سبعينات القرن الماضي، ومن ثم المحاكمة السياسية، عندما كان متهماً في أحداث التفجيرات التي تلت تزوير الانتخابات النيابية عام 1967، ومن ثم مسيرته البرلمانية التي انطلقت في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وصولاً إلى تقلده المنصب الوزاري العام 1992.

أصالة ديمقراطية

ما يهمنا، هو أن نرصد بتركيز شديد بعضا من ملامح فكر الربعي الذي انطلق بها، ورسم أدواره من خلالها بدقة متناهية.

فالربعي يقر بشكل تام بأن للديمقراطية أصالة كبيرة في ضمير الشعب الكويتي، وأن علينا النظر إلى التجارب الديمقراطية الرائدة، وأن نطمح للوصول إليها، لا التوقف أمام نقطة معينة، والقول بأننا أفضل حالاً من ديمقراطيات غيرنا.

لذلك، يؤكد أنه يجب إيقاف نغمة أن الديمقراطية هبة أو منحة ومجلس الأمة منة من الحكومة، فالديمقراطية هي اختيار أصيل، ولن نرضى أبداً عن التراجع عنها.

طريق الإصلاح

من هذا الفهم يذهب الربعي إلى القول بأنه لابد من الاعتراف بالحقائق، حتى لو كانت قاسية، فهذا هو الطريق الأول للإصلاح، الذي هو ليس فنياً، بقدر ما يكون إرادة سياسية، الأساس فيها قرار سياسي، وأنه على «الطرف الآخر» أن يبادر إلى اتخاذ القرار، ويبدي الإرادة ويبدأ في التنفيذ.

لهذا، فإنه يطالب بإعادة النظر في فكرة ومفهوم «الأسرة الواحدة»، حيث إن الحقائق لا تعكس هذا الشعار، قائلاً «نحن نتمنى أن نكون كذلك بالود والحب والتآلف، ولكن في الوقت نفسه نريد أن نكون دولة حديثة، ولن نتمكن من التقدم والبناء إلا على هذا الأساس المتقن».

هذه ملامح وإشارات تفرض نفسها إذا ما أردنا معالجة واقعنا السياسي الحالي، فالدستور هو الحكم، والقانون هو الفيصل، والديمقراطية ليست مفهوما سياسيا فقط، بقدر ما هو منظور شامل لجوانب أخرى من اجتماعية واقتصادية.

مداخلة برلمانية

«هل رأيتم بلداً.. الفقير يشتكي.. والغني يشتكي.. المرضى يشتكون.. والأطباء يشتكون.. أنا ما شفت بلدا.. الوزراء يشكون الحال.. والنواب يشتكون.. من المسؤول؟ البلد يتدهور في كل المجالات. الناس تتساءل.. المواطن العادي ليس له ذنب.. هناك خلل أكبر في أن يكون في مجلس الوزراء.. والقضية ليست أشخاصا، بل هي سياسات.. الأزمة ليست في مجلس الوزراء.. الأزمة في مكان آخر.. المطلوب ترتيب أوضاع البيت الكويتي».

هذا جزء من مداخلة للدكتور أحمد الربعي في إحدى جلسات مجلس الأمة التاسع (1999 – 2003)، وهو آخر مجلس نيابي انتخب فيه، شارحاً الوضع السياسي الذي نمر به، وهو ليس ببعيد عن أوضاعنا الحالية.

ما الحل؟

الحل، كما يطرحه في أحد لقاءاته التلفزيونية، ليس صعب المنال، أو ضربا من الخيال، بقدر ما يكون من خلال «الاتفاق على برنامج إصلاح محدد، سواء أكان اقتصادياً أو اجتماعياً أو في مجالات أخرى، ونتحمَّل مسؤوليته وندفع الجميع باتجاهه».

وهكذا، كان الربعي، يشخص الداء ويضع بفلسفته طريقاً معالمه واضحة لا تحتاج إلى تأويل أو تحوير، والهدف برأيه هو «النهوض بهذه الأمة.. وأن تستخدم عقولها.. وأن نفكر.. وأن نختلف مع بعض على أساس عقلاني»، بعيداً عن اتهامات التخوين والتشكيك واللعبة القذرة التي يفضّل البعض اللعب على أوتارها والتغني على ألحانها.

ولم يقف عند حد هذا التشخيص للوضع الكويتي، بل واصل في إحدى جلسات مجلس الأمة: «القيادة السياسية في كل بلد متقدمة على الجمهور.. ما يصير تكون تابعة للجمهور.. إذا أراد النظام السياسي أن ينجح، فعليه أن يكون في الطليعة.. ويقود المجتمع، لا أن ينقاد من المجتمع.. وإذا أراد مجلس الوزراء الإصلاح، فعليه أن يطرح برنامج الإصلاح السياسي».

مقال «الطليعة»

في مقال كتبه د.الربعي نشر بـ «الطليعة» في العام 1985 بعد حوادث التفجيرات والاعتداءات التي مرَّت على الكويت حينها، وخصوصا الاعتداء على موكب الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، والذي تناول فيه قضية أساسية، تمثلت في الوحدة الوطنية، متناولا المسألة الأمنية، حيث قال في إحدى فقرات المقال: «ويا أيها الكويتيون.. لكم الحق كل الحق في طرح الأسئلة المتعلقة بأجهزة الأمن، بضرورة إعادة ترتيب البيت الكويتي.. بضرورة مواجهة الحقائق الصعبة.. لكن ما هو أهم من ذلك بكثير أن يتم ذلك كله في جو من الثقة بالنفس والتصميم على اجتياز الصعوبات بروح واثقة قادرة، فبدون ذلك سنفتح الطريق أمام أعداء هذا الوطن الجميل، ليغرسوا سكاكينهم الحادة في قلبه.. وهذا ما لا نريده.. وما لا يسمح به الواثقون بأنفسهم».

شعار التفاؤل

ظلت لدى الراحل أحمد الربعي روحية التفاؤل المنطلق الذي ينطلق من ورائه، فلا نزال نتذكر شعار «الكويت لاتزال جميلة.. تفاءلوا»، والذي نحن اليوم أحوج ما نكون إلى فهم هذا الشعار وترجمته إلى واقع ملموس. وهو من خلال هذا الشعار يخاطب الفئات والعناصر الشبابية التي من المفترض أن تكون المجتمع وفق أسس الانفتاح والتعاون والحوار، بعيداً عن التجاذبات التي قد تكون سبباً أساسياً في زيادة حالات الانقسام بين المجتمع ومكوناته.

أحمد الربعي.. لا نوفيه حقه بهذه الإضاءة السريعة، بقدر ما أردنا أن نسلط الضوء على جانب قد يفتح لنا باباً للتفاؤل.

جريدة الطليعة الكويتية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.