الحديث عن الأمور النقابية أمر صعب وشائك خصوصا عندما يتعلق هذا الأمر بالوضع والانتخابات الطلابية في الجامعة بأشكالها كافة حيث تحاول التيارات السياسية بكافة توجهاتها السيطرة على هذا القطاع المهم والفعال لتشكيل أداة ضغط لصالحها.
فالمجتمع الطلابي عبارة عن مجتمع مصغر لمجتمع خارجي كبير بتوجهاته وأفكاره كافة وأن ما يدور في المجتمع الخارجي هو ما يدور في المجتمع الطلابي المصغر وما القضايا التي تتبناها الحركة الطلابية إلا مواقف تبنتها تيارات سياسية، فالصراع بين أطراف الحركة الطلابية متمثلة في الاتحاد الوطني والقوائم الطلابية ما هو إلا انعكاس طبيعي لصراعات التيارات السياسية، وهذه الصراعات دائما ما تبرز وتكون أثناء الممارسة الديمقراطية لما توفره من أجواء من الحرية، والقوائم الطلابية غالبا ما تنتمي إلى تجمعات وجمعيات سياسية ودينية ومن الخطأ الاعتقاد بأن الطلبة ينبغي أن يكونوا بمعزل عن الوضع السياسي.
فالحركة الطلابية الكويتية لم تبعد عن قضايا وهموم المجتمع الكويتي، ولكن هذا الأمر تختلف فعاليته وقوته حسب أطروحات التيار المسيطر على الحركة الطلابية ومدى جديته في إبراز الدور الطلابي من خلال الوصول إلى مرحلة التأثير الواضح أو أن يكون التأثير هامشيا.
وهذه العلاقة الطردية هي وضع طبيعي لما تؤول عليه التيارات السياسية من قوة التأثير أو ضعفه ومدى تفاعل أفراد المجتمع الكويتي معه، فنحن لا نستطيع بأي حال من الأحوال فصل هذين الأمرين.
ومن هنا نجد الدور الحيوي للحركة الطلابية في اتجاه المساهمة في مساعي البناء والتنمية الوطنية والمشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع وأهدافه، ويمكن للمتتبع لواقع حال الحركة الطلابية الكويتية منذ بداياتها أن يقرأ هذا التفاعل والدور مع اختلاف درجة حدة هذا التفاعل.
فالحركة الطلابية استطاعت ممارسة دورها الحقيقي وفق منظورها ومعتقداتها الخاصة التي تؤمن بها بداية من تفعيل الكثير من القضايا المهمة وصولا إلى حد تصعيدها لأعلى المستويات، ومن هنا جاءت المحاولات نحو تحجيم العمل الطلابي كما حدث عام 1978 عندما تم تجميد أعمال وأنشطة الاتحاد الوطني لطلبة الكويت ـ فرع الجامعة، إضافة لما حدث عامي 1996 و1998 عندما تم تجميد رابطة الآداب وحرمان أعضائها من ممارسة العمل النقابي وكذلك جمعية الهندسة والبترول وحرمان رئيسها حرمانا نهائيا من ممارسة العمل النقابي، وصولا إلى سن مجموعة من اللوائح والأنظمة المقيدة للعمل الطلابي.
ومن هنا فإن محاولات التحجيم تنطلق من بعدين أساسيين، البعد الأول يتعلق بمحاولة عزل الطلبة عن التفاعل مع قضايا المجتمع وبالذات القضايا السياسية وهذا الأمر مرتبط بمدى مساحة الحرية والديمقراطية الموجودة في الساحة المحلية.
وأما البعد الثاني فهو متعلق بمحاولة احتواء التحركات الطلابية الرافضة تجاه قرار معين أو سياسة معينة من قبل الإدارة الجامعية وهو ما يمكن أن نطلق عليه بالبعد الأكاديمي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الحركة الطلابية الكويتية ـ وفي أحيان كثيرة ـ تحيد عما هو من المفترض أن تقوم به، فبدلا من أن تتوحد الرؤى نجدها دائما ما تكون في حالة اختلاف تشوبها المصالح فقط لإسقاط الآخرين.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، فقد لوحظ في كثير من الأوقات انتشار الطرح الطائفي والقبلي عند الكثير من القوائم الطلابية، بل وذهب البعد إلى الاستماتة في الطرح دون أية مبررات تذكر مما انعكس سلبا على الوضع الطلابي.
هذه الوضعية الخاطئة الموجودة في الجسد الطلابي لم يستطع أحد التغلب عليها أو إيقافها في أسوأ الحالات والذي أدى إلى شرخ عميق في جدار الحركة الطلابية الكويتية على الرغم من إدعاء البعض من عدم وجودها واختفاء أثرها.
ولا يمكن أن ننسى في هذا المجال الصراعات الداخلية بين أفراد القائمة الواحدة بسبب هيمنة قيادة القائمة وسيطرتها وعدم إعطاء الفرصة للأقلية في القائمة ذاتها بالتواجد وإبداء الرأي، إضافة إلى الصراعات السياسية الخارجية والتي تلقي بظلالها على الوضع الطلابي في أن تتشكل من قائمة واحدة قوائم طلابية عدة ينتمون لذات التوجه!!
إن الواقع الطلابي عبارة عن سيطرة مجموعة من المنتفعين على أمور الحركة الطلابية سواء كان ذلك على مستوى اتحاد الطلبة أو الجمعيات والروابط العلمية، وحتى على مستوى القوائم الطلابية وذلك بسبب بروز أقطاب التجمعات والتيارات السياسية في المجتمع الكويتي بشكل كبير والاتجاه نحو العمل العلني وليس في الخفاء، ومن هنا نجد أن الحركة الطلابية تخضع لسيطرة تلك التيارات والتجمعات وهو وضع طبيعي إلا أن القيادات الطلابية دائما ما تنفي ذلك على الرغم من وضوحه.
لقد اختلف منظور الحركة الطلابية لدى الكثير من الطلبة، فأصبح الانتماء للحركة الطلابية للتسلية وإضاعة الوقت غير مكترثين بأهميتها مما أدى إلى وجود ضعف داخلي كبير، إضافة إلى تواضع أدائها وقوتها في أوقات كثيرة على الرغم من مساحة الحرية المتوافرة كنتيجة للوضع الديمقراطي الذي تعيشه الكويت بوجود مجلس الأمة.
ولعله من الواضح أن هناك خللا كبيرا في أداء الحركة الطلابية والذي يجب الوقوف امام مسبباته لعلاجه والعودة إلى ما كانت عليه الحركة الطلابية من ازدهار وقوة تأثير فعال.
ويمكن إيجاز بعض نواحي الخلل في الآتي:
1- استمرار سيطرة تيار واحد من خلال قائمة معينة ولفترة طويلة ومن دون منافسة تذكر من بقية القوائم الأخرى المتنافسة، أوجد قطاعا سلبيا من قبل قطاع كبير من الطلبة لعدم مساهمته في إبراز الحركة الطلابية والذي أدى إلى رفضهم المشاركة حتى في العملية الانتخابية لقناعتهم بعدم جدواها في إحداث تغيير جذري.
2- عدم قدرة الحركة الطلابية على توحيد طاقاتها تجاه قضية معينة والدفاع عنها لمصلحة الجميع، وإن حدث ذلك فإن الجميع يريد استغلال هذا الأمر لصالحه.
3- بدأت ظاهرة اختفاء الحوار الفعال والبناء بين القوائم الطلابية مما أفرز ظاهرة العنف الطلابي كما حدث عام 1993 في كلية الهندسة والبترول وعامي 1992 و1995 في كلية العلوم إضافة إلى غيرها من الحوادث.
4- القيادات الطلابية في غالبية القوائم الطلابية والاتحاد الوطني تفتقد في الوقت الحالي لمعاني القيادة أو القائدة فهي بالاسم فقط تأخذه هذه الصفة من دون الفعل.
5- عدم قدرة الاتحاد الوطني أو القوائم الطلابية على إبراز وجهة نظرها بالشكل السليم وبأسلوب نحو توجيه الطلبة، مما أوجد ضعفا لديها لا يمكنها التغلب عليه، حيث تميزت “القوائم والاتحاد” في كيفية توجيه سيل الاتهامات لبعضها.
6- كما أنه بحكم القيود المفروضة على الحركة الطلابية الأثر الكبير في عدم قدرتها على البروز والتفاعل بشكل صحيح.
كل هذه الأمور مجتمعة إضافة إلى أمور أخرى كان لها الأثر في التأثير على الحركة الطلابية والدفع بها نحو منحنى خطير.
جريدة السياسة الكويتية