اندفعت مجموعة من التنظيمات والقوى السياسية الكويتية مؤخرا من خلال بيانات فردية أو مشتركة، في محاولة لتوحيد بعض من مواقفها، باتجاه مؤتمر للإصلاح الوطني والمصالحة الوطنية، في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار العام في البلد، سواء قبل أزمة جائحة «كورونا» التي ضربت العالم أجمع أو بعدها.
ودعوات هذه القوى ليست بالجديدة، فهي مستمرة ولم تتوقف مطالباتهم بها، ولكنها في كل الأحوال لم تتحول إلى برنامج عملي لها بسبب اختلاف أولوياتها، ومدى استفادتها من مثل هذا الطرح، وحسابات الربح والخسارة، خصوصا وأن الانتخابات النيابية على الأبواب (مقررة في نوفمبر 2020)، فأخذ بعض الانتهازيون يتراقصون حولها!
وأمام هذه الوضعية بدأت نغمة التذمر الشعبية ترتفع وتتزايد بسبب معالجات الحكومة لأزمة «كورونا»، والتناقض الكبير بين تصريحاتها وقراراتها ومواقفها، يضاف إلى ذلك ما تناولته العديد من الوسائل الإعلامية للتجاوزات وكشف بعض القضايا، كالفساد وتجارة الإقامات وغسيل للأموال وغيرها، حيث تحوم الاتهامات والشبهات نحو شخصيات بارزة، وهذه أمور تحتاج إلى وقفات جادة، من الممكن الحديث بها في القادم من الأيام.
وعندما يطرح مفهوم «المصالحة الوطنية»فإن أول أمر يتبادر على أذهاننا هو ماهية المصالحة الوطنية، وما تعنيه، وهل هناك شروط أو محددات لها تتطلب إنجازها وتحقيقها.
لقد شهدت الكويت في سنواتها الأخيرة حراكا وصراعا سياسيا كبيرا، ليس المجال هنا لتناوله وتقييمه، كانت نتائجه توتر الأجواء حتى وصلنا إلى مرحلة تأزمت فيها العلاقة المجتمعية بين السلطات، التنفيذية والتشريعية، وصدور أحكام قضائية تجاه بعض الشباب والنشطاء والنواب بسبب رأي أو موقف أو فعل سياسي، وأخذ البعض “يدندن” على قانون للعفو يعمل على تكييفه باتجاهات خاصة.
المصالحة الوطنية اليوم ليست شعارا يرفع «لتطييب خاطر»، بل يجب أن تتحول إلى برنامج عمل واقعي وفق آليات واضحة، فهي أولا تعني كما تذهب إليه العديد من الأبحاث والدراسات: «توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة وردم الفجوات بين الأطراف المتصارعة أو المتخاصمة، نحو تجاوز مسببات الأزمات السابقة وتصحيح ما ترتب عليها، ومعالجة الملفات العالقة بنظرة تفاؤلية للمستقبل»، وهذا يعني وجود علاقة متزنة بين الأطراف السياسية والمجتمعية بما يضمن استقرار النظام الديمقراطي وآلياته.
ومن خلال هذا الفهم، تأتي ثانيا مجموعة من المتطلبات الأساسية التي لا يمكن إهمالها أو تجاوزها، من أهمها: الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، فذلك يشكل مدخلا لا غنى نحو المصالحة الوطنية.
يلي ذلك توفر بيئة مناسبة تعتمد على الثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، لتجاوز سلبيات الماضي وعدم العودة إليها، بضمان الاستخدام الأمثل والصحيح للسلطة، وهو ما يمهد الاتفاق على الثوابت السياسية لتغليب المصلحة الوطنية على أية مصالح أخرى، دون إغفال لتقييم التجارب السابقة، وفتح صفحة جديدة تحمل عناوين العفو والتسامح.
وللحديث بقية.