لمثل هذا اليوم تراجعتم!

لم يكن ليخرج النائب السابق مسلم البراك من سجنه مؤخرا، حتى برزت معارك الألسن والأقلام تتقاذف المواقف السياسية العامة، ما بين منتقد للتوجهات التي أطلقها “بوحمود” في خطابه، وما بين مؤيد له، يضاف إليهما فئة ثالثة تتفنن في التلون في المواقف وباحثة عن موقع لها.

ودون الخوض في تفاصيل خطاب مسلم البراك، فإننا اليوم معنيون بالدرجة الأولى ليس بفتح ملفات قديمة وحكاية المشاركة والمقاطعة الانتخابية، بقدر ما علينا مواجهة الحقائق والتحديات التي تواجهنا، بهدف الوصول إلى نقطة صحيحة للانطلاق تدور فيها عجلة التنمية في مختلف المجالات.

وإذا كنا نريد أن إعادة قراءة المشهد السياسي منذ مرسوم تعديل النظام الانتخابي الذي عرف بمرسوم “الصوت الواحد”، فالمسألة برمتها ليست بإقرار المحكمة الدستورية لصحته من عدمه، فالمناقشة لا يجب أن تكون وفق الشكل القانوني، بقدر ما تكون حول فهم الأبعاد السياسية من ورائه، ولماذا ركنت الحكومة له؟

وإذا كانت السلطة التنفيذية قد دفعت باتجاه هذا التغيير في النظام الانتخابي، فإنه في المقابل قررت بعض التنظيمات والقوى السياسية مقاطعة الانتخابات لأكثر من مرة، التي كانت إفرازاته عام 2013 مجلسا تشريعيا خاليا من أي شكل من أشكال المعارضة، وكان أقرب إلى مجلس بأجندة حكومية، فماذا كانت النتيجة؟

البعض يرى أن غياب المعارضة الحقيقية عن مجلس الأمة كان له أثرا كبيرا في استمرار حالة التردي العامة، ولكن المعضلة الأساسية لم تكن في يوم من الأيام بوجود أنماط معينة من المعارضة داخل البرلمان، بل تكمن في سلوك السلطة التنفيذية وإدارتها لأجهزة الدولة المختلفة، وهذا هو بيت القصيد، وهذه هي الحقيقة التي يحاول البعض التهرب منها من إلصاق كل شيء سيء بالمجلس وأعضائه، بل ويبرأ نفسه بمواقف متردية وفق حسابات الربح والخسارة.

صحيح أن هناك أطراف عدة تراجعت عن مواقفها السياسية السابقة بمقاطعة انتخابات مجلس الأمة، وشاركت بفاعلية ورمت بكل ثقلها في الانتخابات الأخيرة، كما أن هناك قوى سياسية التزمت بمواقفها المبنية على قناعات محددة، وأيا كانت المحصلة فليس من المقبول اليوم إعادة الصراع إلى مربعه الأول، وحصره بمسألتي المشاركة والمقاطعة، ولكن علينا تجاوز هذا الأمر بما يفسح للجميع مساهمة فاعلة دون الخوض في النوايا.

وهنا تكمن البداية الصحيحة، وليس البحث في أوراق لا تخدم الأجندة الوطنية، ولعلنا في هذا المجال نعيد قراءة البرنامج المرحلي الذي طرحته القوى الديمقراطية والتقدمية، والذي تكون من عدة بنود، أهمها: تعديل النظام الانتخابي وتطويره بما يسمح المجال للعمل الجماعي بدلا من الفردي، وتمكين القضاء الكويتي من النظر في قضايا سحب الجنسية أو اسقاطها، وكذلك الدفع نحو إصدار قانون عفو عام واسقاط كافة التهم عن متهمي الرأي، كما لم تنسى هذه القوى أهمية الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات العامة.

هذه المطالب المرحلية نعتقد نحن المنتمون للاتجاه الديمقراطي والتقدمي بأنها ملحة نحو إيجاد نوع من الانفراج السياسي الذي سيساهم في الدفع نحو مؤتمر وطني عام يشمل كافة التنظيمات والقوى السياسية بمختلف مشاربها والشخصيات الفاعلة، وهو المطلب الذي دعا إليه إضافة للمطالب السابقة المنبر الديمقراطي الكويتي، وأعتقد بان التيار التقدمي الكويتي أيضا يدفع بهذا الاتجاه مع مطالبه المشار إليها سابقا.

واليوم تتجدد هذه المطالب بصورة أخرى بعد خطاب النائب السابق مسلم البراك، وهو ما يعني أن هناك أطراف قبلتها وتبنتها ما يستلزم ضرورة التوفيق بين الجميع بحثا عن مرحلة الاستقرار السياسي العام المفقودة منذ سنوات ممتدة.

وإذا كان البعض يهوى الاصطياد وتفسير الأحداث والمواقف وفق أهوائه لا المعطيات العامة، فهذا يعني أن هناك من يدفع لاستمرار حالات التأزم السياسي سواء بقصد او دونه، ولذلك فإن القوى السياسية عليها اليوم رفع حالة النهوض الجماهيري بما يسمح بتشكيل جماعات ضاغطة واعية على السلطتين (التشريعية والتنفيذية) حتى تتبنيان قضايا المجتمع، بما يتيح سرعة الانجاز وتحريك عجلة التنمية المتوقفة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.